سورة الرحمن - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ}، قرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بالياء لقوله: {يسأله من في السموات والأرض}، {ويبقى وجه ربك} {وله الجوار} فأتبع الخبر.
وقرأ الآخرون بالنون، وليس المراد منه الفراغ عن شغل، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة، كقول القائل: لأتفرغن لك، وما به شغل، وهذا قول ابن عباس والضحاك وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن.
وقال آخرون: معناه: سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم، كقول القائل للذي لا شغل له: قد فرغتَ لي. وقال بعضهم: إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور، ثم قال: سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم، فيتمَّ ذلك ويفرغ منه، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل.
{أَيُّهَا الثَّقَلانِ}، أي الجن والإنس، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتًا، قال الله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة- 2] وقال بعض أهل المعاني: كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» فجعلهما ثقلين إعظامًا لقدرهما.
وقال جعفر بن محمد الصادق: سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا}، أي تجوزوا وتخرجوا، {مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي من جوانبهما وأطرافهما، {فَانْفُذُوا} معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض: فاهربوا واخرجوا منها. والمعنى حيثما كنتم أدرككم الموت، كما قال جل ذكره: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء- 78] وقيل: يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا، {لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} أي: بملك، وقيل بحجة، والسلطان: القوة التي يتسلط بها على الأمر، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني. وروي عن ابن عباس قال: معناه: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله عز وجل. وقيل قوله: {إلا بسلطان} أي إلا إلى سلطان كقوله: {وقد أحسن بي} [يوسف- 100] أي إليّ.


{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، وفي الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} الآية فذلك قوله عز وجل: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ}. {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ}، قرأ ابن كثير: بكسر الشين والآخرون بضمها، وهما لغتان، مثل صوار من البقر وصوار. وهو اللهيب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع من النار، {وَنُحَاسٌ}، قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ونحاس} بجر السين عطفًا على النار، وقرأ الباقون برفعها عطفًا على الشواظ.
قال سعيد بن جبير والكلبي: النحاس: الدخان وهو رواية عطاء عن ابن عباس.
ومعنى الرفع يرسل عليكما شواظ، ويرسل نحاس، أي يرسل هذا مرة وهذا مرة، ويجوز أن يرسلا معًا من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر، ومن كسر بالعطف على النار يكون ضعيفًا؛ لأنه لا يكون شواظ من نحاس، فيجوز أن يكون تقديره: شواظ من نار وشيء من نحاس، على أنه حكي أن الشواظ لا يكون من النار والدخان جميعًا.
قال مجاهد وقتادة: النحاس هو الصُّفْر المذاب يصب على رؤوسهم، وهو رواية العوفي عن ابن عباس. وقال عبد الله بن مسعود: هو المهل.
{فَلا تَنْتَصِرَانِ}، أي فلا تمتنعان من الله ولا يكون لكم ناصر منه.


{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {فَإِذَا انْشَقَّتِ}، انفرجت {السَّمَاءُ}، فصارت أبوابًا لنزول الملائكة {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}، أي كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة والصفرة، قال قتادة: إنها اليوم خضراء، ويكون لها يومئذ لون آخر يضرب إلى الحمرة.
وقيل: إنها تتلون ألوانًا يومئذ كلون الفرس الورد يكون في الربيع أصفر وفي أول الشتاء أحمر فإذا اشتد الشتاء كان أغبر فشبه السماء في تلونها عند انشقاقها بهذا الفرس في تلونه.
{كَالدِّهَانِ}، جمع دهن. شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه، وهو قول الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع.
وقال عطاء بن أبي رباح: {كالدهان} كعصير الزيت يتلون في الساعة ألوانًا.
وقال مقاتل: كدهن الورد الصافي. وقال ابن جريج: تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم.
وقال الكلبي: كالدهان أي كالأديم الأحمر وجمعه أدهنة ودهن {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}، قال الحسن وقتادة: لا يسئلون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم، لأن الله عز وجل علمها منهم، وكتبت الملائكة عليهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
وعنه أيضًا: لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم. دليله: ما بعده، وهذا قول مجاهد.
وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله: {فوربك لنسئلنهم أجمعين} [الحجر- 92]، قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟
وعن عكرمة أنه قال: إنها مواطن، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها.
وعن ابن عباس أيضًا: لا يسألون سؤال شفقة ورحمة وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ.
وقال أبو العالية: لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6