{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ}، قرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بالياء لقوله: {يسأله من في السموات والأرض}، {ويبقى وجه ربك} {وله الجوار} فأتبع الخبر.وقرأ الآخرون بالنون، وليس المراد منه الفراغ عن شغل، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة، كقول القائل: لأتفرغن لك، وما به شغل، وهذا قول ابن عباس والضحاك وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن.وقال آخرون: معناه: سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم، كقول القائل للذي لا شغل له: قد فرغتَ لي. وقال بعضهم: إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور، ثم قال: سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم، فيتمَّ ذلك ويفرغ منه، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل.{أَيُّهَا الثَّقَلانِ}، أي الجن والإنس، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتًا، قال الله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة- 2] وقال بعض أهل المعاني: كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» فجعلهما ثقلين إعظامًا لقدرهما.وقال جعفر بن محمد الصادق: سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا}، أي تجوزوا وتخرجوا، {مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي من جوانبهما وأطرافهما، {فَانْفُذُوا} معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض: فاهربوا واخرجوا منها. والمعنى حيثما كنتم أدرككم الموت، كما قال جل ذكره: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء- 78] وقيل: يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا، {لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} أي: بملك، وقيل بحجة، والسلطان: القوة التي يتسلط بها على الأمر، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني. وروي عن ابن عباس قال: معناه: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله عز وجل. وقيل قوله: {إلا بسلطان} أي إلا إلى سلطان كقوله: {وقد أحسن بي} [يوسف- 100] أي إليّ.